سيدي علي وفا رضى الله عنه

هو القطب ذو الكرامات والأحوال والمقامات أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وفا. يقول الإمام الشعراني: كان سيدي علي يقول: مولدي سحر ليلة الأحد حادي عشر محرم سنة إحدى وستين وسبعمائة. كما رأيته بخطه. أ.هـ

ولمّا تُوفي الشيخ محمد وفا رضى الله عنه، تركه هو وأخاه أحمد. وكان عليّ إذْ ذاك صغيراً، فنشأ عليّ مع أخيه أحمد في كفالة وصيّهما الشيخ محمد الزّيلعي، فأدبهما وفقههما. ولما بلغ علي وفا من العمر سبعة عشر عاماً جلس مكان أبيه في زاويته، ولبس منطقته، فشاع ذكره في البلاد، وكثر أتباعه ومريدوهُ.

وكان الشيخ علي وفا كثير الإقامة بمنزله بالروضة. وكان كثير التحجب هو وأخوه أحمد، لا يخرجان إلاّ عند عملِ الميعاد (أي: ميعاد الاجتماع بالمريدين)، يقول المقريزي: "كان أي سيدي علي وفا مهيباً، مُعظّما، تعددت أتباعه وأصحابه، ودانوا بحبه، وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة. هذا مع تحجّبهِ وتحجب أخيه التحجب الكثير، إلاّ عند عمل الميعاد، والخروج لقبر أبيهما".

وكان رحمه الله تعالى جميلاً في مظهره، متأنقاً في ملبسه. قال عنه الشعراني: "لم ير في مصر أجمل منه وجهاً ولا ثياباً"، ولكون مظهره غايةً في التجمّل كمظهر الملوك، أنكر عليه ابن زيتون الوزير، وقال في نفسه: ما ترك هذا لأبناء الدنيا شيئاً، فأين الفقر الذي هو شعار الأولياء؟

فالتفت إليه وقال: نعم. تركنا لكم ولأبناء الدنيا، خزي الدنيا وعذاب الآخرة. وقال المناوي: ومن كراماته أن رجلاً من أولياء العجم حضر سماطهُ (السّماط: ما يُمدّ ليوضع عليه الطعامُ في المآدب ونحوها. والمراد هنا: وليمته أو مأدبته) فطلب ليمونةً، فلم يجدها. فاستحضر بسيدي علي وفا، فمد يده فأتى بطاقية ولد العجمي من بلاده، وعرفها، فاعتذر وتاب.

ولما حجّ عطش الحجيج حتى أشرفوا على التلف، فأتوه، فأنشد موشحه الذي أوّله:

أسق العطاشَ تكرّما ... والعقل طاش من الظّماً

فأمطروا في الحال كأفواه القرب. وله غير ذلك من الكرامات ذكرها النبهاني في كتابه، وغيره.

ولسيدي عليّ مؤلفات ومصنفات شريفة منها: (الوصايا)، و (الباعث على الخلاص في أحوال الخواص)، و(الكوثر المترع من الأبحر الأربع) في الفقه، و(المسامع الرّبّانية) في التصوف، و(مفاتيح الخزائن العلية) أكثر هذه المؤلفات لا يزال مخطوطاً.

وله ديوان شعر، وموشحات ظريفة سبك فيها أسرار أهل الطريق، وأعطي لسان الفرق والتفصيل زيادة على الجمع، وقليل من الأولياء من أُعطي ذلك.

وله كلام عالٍ في الأدب، وله أحزابٌ وأورادٌ وتوجّهاتٌ، وله وصايا نفيسة نحو مجلدات، ذكر الشعراني بعضها في طبقاته وقال: "طالعت كثيراً من كلام الأولياء، فما رأيتُ أكثر علماً، ولا أرقى مشهداً من كلامه".

وتوفى الشيخ علي وفا رحمه الله بمنزله في الروضة في يوم الثلاثاء في الثاني من ذي الحجة سنة 807هـ.

وله من الذكور أبو العباس أحمد، وأبو الطيب محمد، وأبو الطاهر محمد، وأبو القاسم محمد، ومن الإناث الشريفة: حسنة ورحمة وضحى.

وكانت جنازته تضم خلقاً كثيراً لم تر القاهرة مثلها، فقد كانت جماعته وأصحابه يمشون أمامها ويذكرون الله بطريقة تهز المشاعر وتلين لها القلوب.

قال المقريزي: لم أر قط على جنازة من الغفر أي الحراسة ما رأيت على جنازته رضى الله عنه وأرضاه، وحشرنا في زمرة عباده الصالحين.

قراءة 7206 مرات
Top