هو أبو عبد الله محمد بن الصديق الغماري الحسني ، ينتهي نسبه إلى ادريس الأكبر ابن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى ابن الحسن المجتبى ابن الإمام علي عليه السلام .
ولد في غمارة سنة 1295 للهجرة وسماه والده محمداً المنصور فكان لهذه التسمية أثر في حياته ، فقد عاش طول حياته منصوراً على أعدائه ومناوئيه .
وحفظ القرءان الكريم بروايتي ورش وحفص ، وكان والده العارف بالله سيدي الحاج الصديق يريد أن يعلمه القراءات، فأشار عليه أحد العلماء الصالحين أن يبعثه إلى فاس لحضور العلم بجامعة القرويين، فحضر هناك على جماعة من كبار العلماء الصالحين؛ منهم السيد محمد جعفر الكتاني ، وأخذ الطريقة الشاذلية الدرقاوية عن شيخه العارف الكبير السيد محمد بن إبراهيم الفاسي المدفون بزاويته بفاس ، وكان مدة حضوره العلم وسلوكه الطريق ثلاث سنوات.
ثم رجع إلى بلده وذهب إلى طنجة ليخطب بنت خاله العارف الكبير سيدي عبد الحفيظ بن أحمد بن أحمد بن عجيبة فوافق على زواجه بشرط أن يمكث بطنجة، فمكث فيها ونشر الطريق وأحيى سوق العلم بعد اندراسها بذلك البلد، فدرّس في الجامع الأعظم صحيح البخاري بطريقة لم يسبق لها مثيل، ومختصر خليل في الفقه المالكي ، وألفية ابن مالك في علوم العربية والصرف، ودرّس بمساجد أخرى السيرة النبوية وغيرها ، ودرّس بزاويته التي أنشأها بطنجة تفسير القرءان الكريم .
وكان حافظاً قوي الذاكرة ، تخرّج على يديه جماعة من العلماء ، وكانت دروسه روضة من العلم ، وكان في دروسه في صحيح البخاري يهاجم الاستعمار ويحض على جهاد الكفار.
ومما يدل على شجاعته أنه دُعيَ إلى مؤتمر الخلافة الذي عُقد في الأزهر برئاسة أبي الفضل الجيزاوي شيخ الأزهر ودُعي معه عالمان من المغرب منعهما الفرنسيون من حضور المؤتمر، أما السيد محمد بن الصديق فقد بعث إلى مندوب الملك بطنجة، يطلب منه جواز سفر إلى مصر بدون صورة، فقال المندوب هذا لا يمكن، فقال السيد سأسافر ولو بدون جواز سفر، فرد عليه المراقب الفرنسي بطنجة: إذا ذهبت بدون جواز فسيردك الإنجليز من مصر فرد عليه السيد: لا علاقة لكم بذلك . فرفع مندوب الملك الأمر إلى الإقامة العامة بالرباط ليقرروا ما يرونه في ذلك ، وبعد مراجعة بينهما لمدة شهرين أعطوه الجواز بدون صورة كما طلب . وكان من أعلم أهل وقته ، ليس في المغرب من يعارضه أو يرد له فتوى ، وكانت الأسئلة تأتيه من سائر أنحاء المغرب حتى من الجزائر ، وكان يفتي على المذاهب الأربعة ، مع أنه بلغ درجة الإجتهاد ، يسير مع الدليل حيث سار . ولذلك أحيا في المغرب سنناً أميتت لمدة طويلة منها في الصلاة : وضع اليدين إحداهما على الأخرى والتعوذ والبسملة ، ورفع اليدين عند الركوع والقيام منه ، وغير ذلك .
أنشأ زاويته الصديقية على أرض وهبها له السلطان عبد العزيز ملك المغرب ، وكان بناؤها عام 1319 للهجرة ، وبنى في عهده زاوية بأصيلا والعرائش .
وزاوية فاس أنشأها العارف الكبير سيدي محمد أيوب تلميذ جده سيدي أحمد وجعلها لشيخه وتلامذته بعده ، وزاوية تطوان أنشأها مريدو والده سيدي الحاج الصديق ثم آلت إليه بعده . وزاوية سلا اشتُريت أرضها في عهده وبنيت بعد وفاته . وزاوية زعير بنيت في عهد ولده سيدي أحمد بن الصديق .
وأنجب أولاداً علماء هم :
السيد أحمد، والسيد عبد الله، والسيد محمد الزمزمي، والسيد عبد الحي، والسيد عبد العزيز، والسيد حسن، والسيد إبراهيم.
ولما توفي السيد رحمه الله في شهر شوال سنة 1354 للهجرة انقلب المغرب رأساً على عقب وأباحت فرنسا الدخول لطنجة بدون جواز لحضور جنازته ، فجاء الناس من كل جانب ، وكانت جنازته عظيمة ما رؤي مثلها ، كان المشيعون من الكثرة بحيث وصل جثمانه إلى الجامع الأعظم وآخر المشيعين قرب بيته وبينهما مسافة شاسعة .
وكان لهيبة الجنازة وروعتها أن المسلمين الذين رأوها بكوا بكاء شديداً ، حزناً على السيد صاحب الترجمة لأنه كان مشهوراً بخلقه الحسن ، وحلمه العظيم ، وكرمه الفائق.