هو الإمام، الحبر الهمام، العالم بالله، والناصر لسنة رسول الله، ذو السيرة النبوية، والأخلاق المصطفوية، بحر التحقيق والعرفان، المربي النفاع، الكريم الأخلاق والطباع، الفتى الذي ما مثله فتى، والرجل الذي ما مثله في وقته أتى، مصباح الزمان، وفريد العصر والأوان، صدر الصدور، الشهير البركة والحكمة والنور، شيخ الطريقة، وفارس الحقيقة، العلم الأوحد، الحجة القدوة العمد، العارف بالله تعالى، أبو العباس سيدي أحمد بن سيدي محمد بن محمد بن عبد الله معن، الأندلسي المحتد، الفاسي الآباء والمولد، القاطن بالمخفية من عدوة فاس الأندلس، وبها ولد ونشأ.
كان رحمه الله من أعيان الطريقة، وأكابر أهل الحقيقة، على قدم السلف الصالح، والمنهج القويم الواضح، آية في السخاء والجود، وكرم الأخلاق، والزهد والعبادة، والتعطف على الضعفاء والمساكين، ومحبة آل البيت والعلماء والصلحاء، وكان على قدم التجريد، صارما في الحق، نصوحا لعباد الله، لا يداهن أحدا، وحصل له من الحظوة عند أرباب الدولة وسماع الكلمة ما لم يكن لغيره.
وكان علماء الوقت يقصدون زيارته، ويسلمون له ظاهرا وباطنا، ويجلسون بين يديه كجلوس المتعلم بين يدي معلمه، وانتفع على يديه خلق كثير، وظهر له تصرف عظيم، ومهابة كبرى، فلا تراه إلا رأيت أسدا من أسد الله، قد عوفي من خوف الخلق، وكُفِي أَمْرَهَمِّ الرِزْق، وأوتي من علم القلوب ما يشهد له الذوق الواضح والحال الراجح، فلا تخوض معه في فن من فنونه إلا أمتعك فيه، وله من قوة اليقين والدين ما لاحت ثمراته على كل من عاشره أو أوى إلى زاويته.
والزاوية التي كان اجتماعه بها مع أصحابه: هي زاوية أبيه التي على ضفة وادي الزيتون، بأقصى حومة المخفية، عدوة فاس الأندلس. ثم جدد بناءها هو رضى الله عنه فصارت لذلك تنسب إليه، وكان قد سخر الله له أسباب المال، واستفاد منه كثيرا من عمله بالزرع والغرس والنحل بالحاء المهملة فما برح عن طريقة السلف بسببه قدما واحدا، بل تسلط عليه بالإنفاق في جانب الله، فلم يبق منه إلا ما به تقوم الأسباب بمقتضى الشرع. ولم يكن فيه موضع ترغيب إلا سلكه.
ومما انفرد به في زمانه: أنه كان لا يدخل بذمته شيء من متاع الغير قل أو جل على أي وجه كان، وإن قصده أحد بهدية وغلبه الحياء عن ردها له كافأه عليها بأضعاف مضاعفة وصرفها لغيره في الحين.
وأخباره وأحواله ومعارفه وكراماته وتصرفاته كثيرة جدا. استوفى بعضها تلامذته وغيرهم في تصانيفهم، وألف فيه بالخصوص جماعة، كالشيخ أبي محمد سيدي عبد السلام بن الطيب القادري فإنه ألف في مناقبه مؤلفا في مجلد سماه: (المقصد الأحمد في التعريف بسيدنا ابن عبد الله أحمد). وقد أتى فيه مما يتعلق بصاحب الترجمة بما لا مزيد عليه، مع فصاحة اللفظ، ونهاية التحقيق في العبارة، وفرغ منه قبل موت المؤلف فيه بأزيد من عشرين عاما. وكالفقيه الصوفي أبي العباس أحمد بن عبد الوهاب الوزير الغساني، فإنه ألف فيه مؤلفا سماه: (المقباس في فضائل أبي العباس) وله أيضا مقصورة في مدحه وشرحها في سفرين. وكالشيخ الإمام العلامة الصوفي أبي عبد الله سيدي محمد المهدي الفاسي، فإنه ألف فيه تأليفا سماه: (الإلماع بمن لم يذكر في ممتع الأسماع). وقيل في مدحه أشعار كثيرة، ولسيدي عبد السلام القادري ديوان مستقل في مدحه.
ولد رحمه الله أواخر سنة اثنين أو أوائل سنة ثلاث وأربعين وألف، وتوفى ضحوة يوم الإثنين ثالث جمادى الثانية سنة عشرين ومائة وألف، وارتجت المدينة لموته ارتجاجا. ودفن بقبة والده، رأسه عند رجليه. وجعل عليه دربوز كدربوزه، وهو مشهور إلى الآن يزار ويتبرك به، نفعنا الله به.