السند الجملي

ويثير هذا قضية السند الجُمّلي حيث اهتم المسلمون بنقل مصادر الإسلام من الكتاب والسنة والسيرة المشرفة واللغة العربية التي وردت بها النصوص المقدسة، فاهتموا بالإسناد الذي تولد منه الاهتمام بعلوم استقلت وتخصصت تخصصاً دقيقا وعميقا لقضية خدمة المنقول وفرقوا بين هذا المنقول وبين المعقول الذي يفسره، حتى أصبح هناك فارق بين النص وتفسيره مما أعطى الإسلام مرونة عالية تجعله صالحاً لكل زمان ومكان ولكل شخص وحال، وأصبح إدراك الواقع جزء لا يتجزأ من الاجتهاد وإيقاع الحكم على الواقع المعيش، وأصبح جزء لا يتجزأ مع الفتوى التي اختلفت باختلاف الواقع - أي اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال-، والعمل بالمقاصد الشرعية التي هى حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان والمال، وتحصيل المصالح المرعية للخلق ومراعاة المآلات المعتبرة وعدم الخروج على هوية الإسلام - التي يمثلها الإجماع - والتي تُدرك حقيقتها باللغة، إلا أنهم جعلوا السند على نوعين : سند تفصيلي، وسند جُملي.

اهتم المحدثون في أثناء إثباتهم للحديث وبيان درجته من صحة وحسن وضعيف، وقبوله أو عدم قبوله بالسند التفصيلي ينظرون فيه إلى حلقات هذا السند وحال رجاله والعلاقة بين كل طبقة وما فوقها، وهذا هو السند التفصيلي الذي انتهى مع عصر البيهقي في منتصف القرن الخامس الهجري حيث تم إيداع كل الروايات في دفاتر المصنفين ولم يعد هناك حديث خارج هذه المصنفات المسنده وأصبح قبول الحديث أو رده مبنيا على أمرين :

الأول: هذا النظر في السند المسجل في تلك المصنفات .

الثاني: هو بحثه من جهة الدراية ليتم الحكم عليه دراية ورواية بالقبول أو الرد .

وهذا السند التفصيلي تم بصورته الكاملة التامة في طريقة نقل الحديث النبوي الشريف من خلال علم الرجال والمصطلح والجرح والتعديل وغيره من علوم السنة المشرفة التي زادت على عشرين علما.

لكن رأى المسلمون أن هذا النقل ينبغي أن يتم أيضا عن طريق السند الجملي الذي لا يُنظر فيه إلى كل حلقة على حده بل إلى الشيوع والشهرة والانتشار، وأن هذا النقل ليس متعلقا فقط باللفظ بل أيضا بطريقة الاداء كما في علوم نقل القرآن الكريم والقراءات العشر المتواترة، ورسم المصحف، وغيرها من العلوم التي تعلقت بكتاب الله.

وهذا السند الجملي رأيناه أيضا في علم التاريخ، وفي علم الآثار حيث نَقَل إلينا النُميّات من دراهم ودنانير والمقاييس من الموزون والمكيل والأطوال، وكذلك رأيناه في علم التصوف حيث نقلت هيئة أهل الله نقلا إجماليا كنقل القرآن واللغة والتاريخ والآثار واكتفي بالسند الجُملي الذي لا ينظر فيه إلى أفراد السلسلة ولا إلى حلقاتها كنظر المحدث إلى سند الحديث بل النظر في علم التصوف كالنظر في علم اللغة إلى السند الجملي الذي تميزت به الأمة عمن سواها والذي ينقل فيه الكافة عن الكافة نقلا متتاليا موثوقا به.

ومحاولة بعضهم الخلط بين السند التفصيلي والسند الجملي ابتغاء اضاعة علوم الأمة عليها هو نوع من التلاعب الذي يدركه الراسخون في العلم ويستمع إليه الذين في قلوبهم زيغ من أصحاب الفتنة وممن أرادوا عبر العصور أن ينحرفوا بأهوائهم بأمة الإسلام عن طريق الله وعن الصراط المستقيم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور: 63] .

ونذكر سلسلة الطريق علما بأن للسادة الشاذلية سلاسل أخرى مذكورة في المطولات، منها ما هو سلسلة خرقة وتلقين، ومنها ما هو من غير طريق ابن مشيش.

والشيوخ على ثلاثة أنواع:

1- شيخ التلقين.

2- شيخ الخرقة.

3- شيخ الصحبة والاقتداء. وهذا الأخير هو الذى عليه الاعتماد ولا سيما عند الشاذلية، فإنهم لا يعتمدون الخرقة إلا تبركا، وطريقهم طريق صحبة واقتداء وإرادة وتحكيم، وعلى هذا مضى شيوخ الطريقة العلية الشاذلية، فإنهم إنما يعرفون الصحبة والاقتداء والسلوك والاجتماع، الذى يصح به الانتساب ويحصل به النفع من الأعلى إلى الأدنى([1]).




([1]) راجع: أحمد بن الصديق الغماري، "البرهان الجلي"، (ص 15- 16) بتصرف واختصار.

قراءة 1552 مرات
Top