هو الشيخ الإمام، الحبر البحر الهمام أبو عبد الله وأبو النصائح سيدي محمد (فتحا) ابن محمد بن عبدالله بن معن الأندلسي، يعرف قديما بمعن، (بفتح فسكون، أو بفتحتين)، والآن بابن عبد الله، وهو من ذرية يعقوب المنصور الموحدي، ويعقوب هذا كومي السلف، مضري الأصل، من قيس عيلان، (بالمهملة) ابن مضر، كما ذكره جماعة من المؤرخين لدولتهم وهو الصحيح.
ولد رضى الله عنه تقريباً سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، ونشأ في عفاف وأمانة، وحفظ وصيانة، وجود القرآن.
وعلق بزيارة ضريح سيدي أبي عبد الله التاودي، الدفين خارج باب الجيسه، حتى إذا بلغ أشده وبلغ حدود الثلاثين، جمعه الله بالشيخ أبي المحاسن، فسلب له الإرادة، وألقى إليه قياده. فصرف أبو المحاسن عنان العناية إليه، إلى أن فتح له على يديه، وانتفع به انتفاعا قويا، وشرب منه مشربا رويا. وعلى يديه كانت له الولادة، وكثير من التربية والإفادة. وكانت صحبته له أربع سنين إلى أن توفىي سيدي يوسف.
فأخذ بعده عن أخيه ووارث حاله العارف بالله سيدي عبد الرحمن، فبقى في صحبته ثلاثا وعشرين سنة، مدة ما بين وفاة سيدي يوسف وسيدي عبد الرحمن، وهو عمدته وعليه عول، وبه تهذب وتكمل، وكان يخدمه بنفسه وماله. وكان العارف المذكور يعظم أمره، ويجل ذكره، ويظهر جلالته وفخره، ويقول: "إنه من أرباب القلوب" وتارة: "إنه لا يوجد مثله في المشرق ولا في المغرب" وتارة أخرى: "إنه ليس تحت قرص السماء مثله". وتارة أخرى: "ما احتزم أحد بحزامه.
ولما توفى العارف المذكور. أحاط صاحب الترجمة بميراثه وميراث شيخه من قبله سيدي يوسف. إلا أنه بقي بداره مدة لم يؤذن له في الانتصاب لدلالة الخلق على الله. ثم إنه زار الشيخ مولانا عبد السلام بن مشيش قدس الله سره فوقع له الإذن هناك كما أخبر به عن نفسه فلما رجع جلس في زاوية شيخه سيدي يوسف الفاسي لقربها منه. وكان يسكن بالمخفية، فأتاه الناس من كل جهة، وقال لهم: "اركبوا هذه الرقبة، فقد هددت بالسلب إن لم أخرج إليكم!" وتغرغرت عيناه بالدموع، تصدى حينئذ لإرشاد المؤمنين، وتربية المريدين. وكان يشير لخدمة الجن إياه، وحضورهم مجلسه. يقول: "أول من يخدم المخصوص: الجن، لأنه أكيس من الآدمي".
وبقي في زاوية شيخه نحو ستة أشهر. ثم بنى زاويته التي بأعلى المخفية على ضفة وادي الزيتون سنة ثمان وثلاثين وألف، وانتقل إليها بأصحابه، يدل على الله، وينصح لعباد الله، وينصر سنة رسول الله، ويحيي أمور الدين وقلوب المؤمنين بما منحه الله من المعارف والأسرار والبركات والأنوار. فأحيى الله به البلاد والعباد، ونفع به الحاضر والباد، وانتشرت على يديه أمور السنة النبوية وأشرقت بها آياته المبينة.
وكانت وفاته رحمه الله بعد طلوع الشمس بنحو ساعة من يوم الأحد الثالث من جمادى الثانية سنة اثنين وستين وألف. ودفن عند الزوال بالقباب أعلى مطرح الجنة، قريبا من قبة سيدي يوسف الفاسي عن يمينها.